“تداعيات الهجوم الإيراني”
عمر ضمرة
لقد أحدث الهجوم الإيراني بالمسيرات والصواريخ على دولة الكيان الصهيوني، زلزالًا حقيقيًا أحدث شرخًا في إستراتيجية الأمن القومي الصهيوني، حيث أصابت إيران الأهداف التي تريدها في دولة الكيان وهما قاعدتين عسكريتين، وبحسب بعض التقارير أنه قتل 12 صهيونيًا وأصاب أكثر من 30 آخرين.
إلا أن الأهم من ذلك كله هو الرسالة العسكرية الإيرانية بالنار، التي أرغمت الصهاينة للنزول إلى الملاجىء، والتي جعلت العالم أجمع يراقب صور المسيرات والصواريخ العابرة للرد على الهجوم على القنصلية الإيرانية في سوريا، مرسخًا معادلة ردع صارمة في المنطقة، ومكرسًا بكل وضوح وقوة إيران كدولة قومية صاحبة مشروع نهضوي وعدوها الأول الكيان الصهيوني.
لقد كان الهجوم الإيراني مرعبًا للصهاينة، والذي تعمدت الدائرة السياسية الإيرانية الإفصاح عنه قبل وقوعه بساعات، نتيجة لحسابات سياسية ذكية لعدم الإنجرار لحرب إقليمية تعطل المشروع الإيراني، وقد يكون مخرجًا لأزمة المجرم نتنياهو الذي لم يحقق أي هدف لعدوانه الوحشي على قطاع غزة، إلا أن هذا الرد الإيراني ثبت الوجود العسكري الإيراني في سوريا، وقوى من فاعلية الدعم العسكري الإيراني، وكرس مواصلة السياسة الإيرانية الداعمة لحركات المقاومة بالمنطقة رغم أنف الصهاينة والأنظمة المطبعة.
فكان أن أغلقت معظم دول المنطقة أجواءها الجوية لحين الإنتهاء من الهجوم، وكانت تكلفة التصدي لتلك المسيرات والصواريخ، بحسب الجانب “الإسرائيلي” مليار دولار، كما كان لتدخل القوات الأمريكية والفرنسية والبريطانية والألمانية دور كبير في التصدي لهذا الهجوم الفريد من نوعه منذ عقود من الزمن، وبالتحديد منذ الهجمات الصاروخية التي أطلقها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 1991، ولا نعلم التكلفة المادية الإجمالية للتصدي لهذا الهجوم الكبير.
من قبل أن يقع الهجوم بادرت العديد من الأنظمة، من أصحاب نظرية ان الإيرانيين شركاء للأمريكان وأن هناك فرقًا بين ما يجري فوق الطاولة وما تحتها، إلى التشكيك بالوعد الإيراني بالرد، وحينما تم الرد أسقط في يدهم، وباتوا محرجين ومكشوفين أمام الشعوب العربية، التي أصبحت تدرك حقيقة الصديق من العدو، فلولا الدعم الإيراني لحركات المقاومة في المنطقة: حزب الله اللبناني، وحماس والجهاد الإسلامي، والحوثيين في اليمن، لباتت المنطقة ساحة مستباحة للكيان الصهيوني ومشروعه بالسيطرة على مقدرات المنطقة وتحقيق حلمهم المزعوم “إسرائيل الكبرى” ، خاصة مع دخول عدد من الدول العربية للأسف في دائرة التطبيع مع هذا الكيان المصطنع.
ليس غريبًا أن تنبري دول أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا للدفاع عن ربيبتهم “إسرائيل” ، فهي الكيان الممثل للإمبريالية الغربية، و “البلطجي” الذي يتم إرعاب جميع دول المنطقة بعدوانيته وجرائمه الوحشية التي يقوم بها دون أي رادع من قوانين أو مواثيق دولية أو إنسانية، وما يحصل في قطاع غزة منذ أكثر من ستة أشهر أبلغ دليل على حقيقة هذا الكيان المدعوم غربيًا، والذي يكشف بوضوح مدى العنصرية والسادية التي يتعامل بها الغرب مع العالم العربي.
ان الرد الإيراني جاء محسوبًا بدقة وعناية، وتم دراسته من كافة الجوانب، واضعًا الكيان الصهيوني وداعميه من بعض الأنظمة بالمنطقة في مأزق حقيقي، فإن كان الإسرائيلي سيتابع عدوانه وإستهداف العمق الإيراني، فلقد وعد الإيرانيون أن الرد على مثل هذا الهجوم سيكون منذ اللحظات الأولى،ولن يستثني الرد القواعد التي ينطلق منها الهجوم، وسيكون الرد الإيراني هذه المرة سريعًا مفاجئًا وأقوى، بحيث لن يجدي معه لا تصدي ولا إسقاط لصواريخ ولا مسيرات، لاسيما إذا علمنا أن ما تم إستخدامه من المسيرات والصواريخ هي من نسخة الجيل الأقل تطورًا والتي يمكن التعامل معها.
كما لا نغفل أن الأمريكان لن يريدوا أي رد على الهجوم الإيراني، حيث أبلغ بايدن نتنياهو، ان إسقاط معظم المسيرات والصواريخ، يعتبر نصرًا لكم، كما أنكم أنتم من بدأتم الهجوم على القنصلية الإيرانية في سوريا التي تعد بالعرف الدبلوماسي أرضًا إيرانية، كما لا ننسى أن “الإسرائيليين” لم يبلغوا الأمريكان قبل الضربة، مما زاد من إستياء الأمريكان، الذين أزعجتهم سياسات نتنياهو منذ السابع من أكتوبر 2023 وبات مصدر قلق لهم بالمنطقة .
إن أمريكا باتت مدركة تمامًا فشل نتنياهو، وأن كل هذه المهلة الزمنية لم تكن كافية لنتنياهو لتحقيق أي هدف من أهداف عدوانه الوحشي على قطاع غزة، فلم يحرر أي أسير “إلا من خلال الصفقة المعلنة”، كما أنه لم يقض على حماس والمقاومة الفلسطينية بكافة فصائلها، ولن يتم له ذلك ولا لأي حكومة صهيونية، فما زالت حماس تمسك بزمام الأمور في القطاع والصواريخ تواصل إنطلاقها والدعم الإيراني متواصل.
المأزق “الإسرائيلي” كبير، فهو إن ضرب الأراضي الإيرانية، سيتلقى ردًا عنيفًا، ولن تستطيع حكومة نتنياهو المنهارة تحمل تكلفته، ولا تريد أمريكا والغرب إنجرار المنطقة لحرب إقليمية، لا يعرفون كيف ستكون نهايتها، في ظل إنتشار حركات المقاومة المدعومة من إيران في لبنان والعراق واليمن، فضلًا عن المقاومة الفلسطينية.
وفي ظل هذا المشهد المأزوم، قد تحاول “إسرائيل” ممارسة عداونها على سوريا ولبنان وإغتيال شخصيات إيرانية عسكرية من الوزن الكبير، كنوع من الرد على الهجوم الإيراني، رغم أنه لن يقابل بالصمت الإيراني، كما حصل في المرات السابقة، ولن يترجم لهجوم واسع النطاق على إسرائيل، وإنما ستكون له تكلفة، في ضوء معادلة الردع الجديدة التي كرستها إيران.
على ضوء كل تلك المعطيات، والأحداث المتسارعة في المنطقة، منذ السابع من أكتوبر وحتى الآن، أما آن للنظام العربي أن يستفيق من غيبوبته، ويمارس دورًا فاعلًا في الإقليم، بدلًا من أن يظل مجرد ساحة لتصارع المشاريع الإقليمية في المنطقة ؟!..فها هو وزير الدفاع الصهيوني غالانت يتبجح بأن أجواء وسماء الشرق الأوسط مفتوحة أمام الطائرات “الإسرائيلية” ولن توقفها أي قوة .