المقالات

الفيتو الأمريكي: شراكة في العدوان ومظلة لجرائم الإبادة…بقلم عمر ضمرة

الدرب نيوز- عمر ضمرة-

منذ أكثر من ثلاثة عشر شهرًا، يتواصل العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، حيث تتعاقب المشاهد المروعة لدماء الأبرياء وأنقاض المنازل على أنظار العالم. وفي كل محطة سياسية أممية، لا تتردد الولايات المتحدة الأمريكية في استخدام حق النقض (الفيتو) لتعطيل أي قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار، مانحة الضوء الأخضر للمجرم بنيامين نتنياهو وعصابته الدموية لمواصلة حرب الإبادة الجماعية بحق المدنيين.

إذا كان الفيتو أداة قانونية، فإن تكرار استخدامه بهذه الطريقة يعكس الوجه الشرير للسياسة الأمريكية، التي تضع مصالحها الاستراتيجية وشراكاتها مع إسرائيل فوق أي اعتبار إنساني. واشنطن لا تكتفي بمنح نتنياهو الدعم العسكري والمالي، بل تتواطأ سياسيًا عبر حماية جرائمه في المحافل الدولية، لتبقى غزة المحاصرة، التي لا تتجاوز مساحتها 365 كيلومترًا مربعًا، تحت وطأة آلة الحرب المدمرة، وسط صمت عالمي مريب.

ما يجري في غزة هو أكثر من حرب؛ إنه انعكاس فاضح لازدواجية المعايير الغربية، التي طالما تشدقت بالديمقراطية وحقوق الإنسان. الغرب المتصهين، الذي كان في الماضي مصدر اضطهاد لليهود في أوروبا في اطار نظريات الاستعلاء العرقي، يعيد إنتاج ذات الحقد اليوم ولكن بتوجيهه نحو العرب والفلسطينيين، في مشهد يشبه استنساخ الكوابيس التاريخية. وفي تطور لافت، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق غالانت، في خطوة تعكس تحركًا خجولًا للعدالة الدولية. ورغم أن 123 دولة ملزمة قانونيًا باعتقال هؤلاء المجرمين إذا عبروا أراضيها، يبقى السؤال معلقًا: هل يتجرأ العالم على مواجهة إسرائيل وحلفائها؟ أم أن هذا القرار سيظل حبرًا على ورق؟

أمريكا والغرب المتصهين لا يكتفون بفرض سيطرتهم عبر القوة العسكرية والاقتصادية، بل يستخدمون أدوات ناعمة تتمثل في تسليع الثقافة والدين والفن. ما نشهده اليوم من انحدار في المفاهيم والقيم عبر “ثقافة العولمة” ليس إلا محاولة لتحويل الشعوب إلى كيانات استهلاكية فاقدة لهويتها، تخدم فقط مصالح الرأسمالية المتوحشة. العالم اليوم أمام منعطف تاريخي؛ إما أن يتكاتف ضد هذه السياسات الإمبريالية والوحشية، أو يظل أسيرًا لنظام عالمي يسعى إلى استعباد الشعوب ونهب خيراتها.

السؤال الذي يطرح نفسه: هل يتحالف العالم الحر لمواجهة هذه الممارسات؟ أم أن شعارات الحرية والعدالة ستبقى مجرد كلمات جوفاء تتردد في أروقة الإعلام الموجه؟ تبقى المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، ومعها المقاومة اللبنانية، رمزًا للصمود وحائط الصد الأول في مواجهة مشروع الهيمنة الصهيونية والأمريكية الذي يسعى للسيطرة على مقدرات الأمة العربية وإخماد أي صوت ينادي بالحرية والكرامة. المقاومة ليست مجرد خيار تكتيكي، بل هي ضرورة وجودية تمثل صرخة الشعوب في وجه الاحتلال والاستبداد.

كل رصاصة تطلق في غزة وكل حجر يلقى في الضفة هي رسالة واضحة بأن الشعوب ترفض الانصياع للإملاءات الصهيونية والأمريكية، وترفض تحويل المنطقة إلى كيان مستباح يخدم أجندات الاستعمار الجديد. الاحتلال الصهيوني لم يكن يومًا مشروعًا يقتصر على فلسطين وحدها؛ بل هو رأس حربة في مشروع الهيمنة الأمريكية الذي يهدد الدول العربية كلها. لذلك، فإن دعم المقاومة الفلسطينية ليس فقط واجبًا أخلاقيًا وإنسانيًا، بل هو استثمار في حماية الدول العربية ذاتها من مخاطر هذا المشروع الاستعماري.

إن الانقسام العربي والرضوخ للإملاءات الخارجية هما السلاح الأقوى بيد الاحتلال وحلفائه. على الدول العربية أن تدرك أن مصيرها مشترك، وأن النيران التي تستعر في فلسطين ولبنان قد تمتد إلى عواصمها إن لم تتخذ موقفًا حاسمًا لدعم المقاومة.

المقاومة الفلسطينية واللبنانية لا تقاتل من أجل نفسها فقط، بل هي درع يحمي الأمة كلها، فعلى الدول العربية أن تدرك أن الوقوف إلى جانب المقاومة يعني الدفاع عن سيادتها واستقلالها. ما دامت هناك رصاصة واحدة تطلق في وجه الاحتلال، فإن الواجب يقتضي دعمها بكل الوسائل الممكنة، وأن لا يقتصر هذا الدعم على السلاح والتمويل، بل يمتد إلى توفير الحماية السياسية للمقاومة، وفتح الحدود أمامها، ورفض أي حصار يفرض عليها من قبل قوى الهيمنة.

إن محاصرة المقاومة أو الانصياع للضغوط الأمريكية والصهيونية هو خيانة للقضية الفلسطينية وخيانة لمصالح الأمة العربية، إذ يجب أن يكون للعرب موقف جريء وشجاع يتمثل في تقديم الدعم الكامل للمقاومة، ورفض أي تسويات سياسية تأتي على حساب الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.

يجب أن تكون المقاومة مشروعًا جماعيًا للعرب، حيث تتكامل الجهود السياسية والاقتصادية والعسكرية لدعمها، حيث أن العالم العربي يمتلك من الموارد والقدرات ما يكفي لمواجهة المشروع الصهيوني والأمريكي، لكن الإرادة السياسية هي المفتاح.

يتعين أن تتبنى الدول العربية استراتيجية واضحة تضع التحرر من الهيمنة هدفًا مركزيًا، وتضع دعم المقاومة في مقدمة أولوياتها. رغم الحصار المفروض على غزة والضفة، ورغم التواطؤ الدولي والصمت العربي في كثير من الأحيان، تواصل المقاومة الفلسطينية تقديم نموذج ملهم للصمود. هذا الصمود يجب أن يكون مصدر إلهام لكل الشعوب العربية، وحافزًا للحكومات لتغيير سياساتها بما يخدم القضية الفلسطينية والقضايا العربية الكبرى. كل رصاصة تطلق ضد الاحتلال، وكل خطوة تتخذ لدعم المقاومة، هي حجر في بناء حرية شعوبنا واستقلالها.

غزة، بابتسامة أطفالها وسط الأنقاض، وإرادتهم وصلابتهم في مواجهة الوحشية الصهيونية،  تذكرنا جميعًا بأن الإنسانية لا تزال تنبض بالحياة، رغم كل ما يحاك ضدها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى