471 يومًا…ملحمة الصمود في وجه الطغيان
471 يومًا…ملحمة الصمود في وجه الطغيان
عمر ضمرة
471 يومًا مرت وكأنها دهور من الألم والمقاومة، على قطاع غزة، ذلك الشريط الصغير الذي لا تتجاوز مساحته 365 كيلومترًا مربعًا. ورغم حجمه الضئيل، حمل بين طياته ما يعجز عن حمله أفق السماء الرحب، إرادة أشد صلابة من الفولاذ، وأحلامًا لا تقهر. هناك، حيث يتشابك الحزن بالعزيمة، وحيث كل ذرة رمل تقف شامخة رغم الركام، سطرت حكاية الصمود.
وسط أفق أثقلته أعمدة الدخان، وطرقات اغتسلت بالدماء الطاهرة، لم تستطع قوى الاحتلال أن تطفئ شعلة البقاء. محاولات التهجير القسري، واجتثاث الأرض من أصحابها، وتحويل القطاع إلى جغرافيا خاوية، كانت كالسيوف التي انكسرت على صخرة الإرادة الفلسطينية. فوق كل ذلك الخراب، نهضت إرادة الحرية لتحلق كطائر الفينيق من بين الرماد، تصافح السماء التي شهدت دعوات الصامدين وصلواتهم، بينما الأرض تردد: “ما زلت حية، وأبنائي باقون”.
471 يومًا من التحالف الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة، جندت فيها كل أدوات الحرب والإبادة، لكنهم وقفوا عاجزين أمام شعب يطهر أنفاسه الهواء الملوث بصناعة الكيان الصهيوني. هذا الشعب الذي يقاتل ليس من أجل البقاء وحسب، بل من أجل أن يكتب صفحة جديدة في تاريخ الإنسانية، صفحة تخبر العالم أن الحرية قد تحاصر، لكنها لا تهزم.
كل يوم في تلك الأيام كان بمثابة قصيدة تكتب بمداد الدماء. كانت المقاومة تسطر ملحمة جديدة، تقاوم الظلام وتزرع بذور النور. بينما كانت آلة الحرب الصهيونية تحصد الأرواح، كانت المقاومة تغرس الأمل في صدور أجيال لم تعرف الهزيمة.
471 يومًا من المجازر، لكنها أيضًا أيام أثبتت أن هذه الأرض لا تزال ولادة. كأنها أم تلد أبناءها في خضم الألم، تمنحهم عزمًا يستمدونه من جذورها التي تضرب عميقًا في التاريخ، فتحيلهم إلى إعصار جديد يكمل الطريق.
من خطة الجنرالات في شمال غزة، إلى مخطط التهجير القسري إلى سيناء، وصولًا إلى خطة “اليوم التالي” للحرب، كلها كانت كأبراج الرمل التي انهارت تحت وطأة العزيمة الفلسطينية. أمام كل هذا، وقفت المقاومة شامخة، تخبر العالم أن الحصار لا يكسر الإرادة، وأن الألم قد ينجب قوة تفوق التصور.
بينما كانت المقاومة تفاوض الصهاينة والأمريكيين على طاولة أقيمت فوق دماء الشهداء، كانت السلطة في أوسلو تواصل محاصرة المقاومين، تطلق النار عليهم، وتعتقلهم كتفًا إلى كتف مع الاحتلال. اليوم، لا شرعية إلا لمن واجه الدبابات، ولا صوت يعلو فوق صوت الذين قدموا أرواحهم دفاعًا عن الأرض والإنسان.
قالها خليل الحية، وزياد النخالة، وأبو عبيدة بصوت واحد: “المقاومة ممتنة لكل من ساندها”. من حزب الله في لبنان، إلى أنصار الله في اليمن، والمقاومة العراقية، والدعم الإيراني بالمال والسلاح، وأحرار الأردن الذين اجتازوا الحدود ووجهوا بنادقهم إلى العدو.
كل هذا الصمود، كل تلك الدماء التي سالت على أرض غزة، لا يمكن أن تمحى من ذاكرة الأرض. ستحفر في ذاكرة التاريخ، وفي وجدان الشجر والحجر، لتصبح قصة تروى للأجيال القادمة، قصة شعب لم يعرف الاستسلام.
471 يومًا، ولكن الحكاية لم تنته. الليل قد يطول، لكنه لا يستطيع إخفاء بزوغ الفجر. الحرية قادمة، كعصفور يكسر قفص الظلم، وكقلب ينبض رغم كل القيود. غزة اليوم تخبر العالم أن البندقية الفلسطينية ستظل مرفوعة مشتعلة، تصوب نحو أعداء الحرية، ولن تحيد عن طريقها حتى تشرق شمس النصر، وحتى تزول دولة الاحتلال عن أرض الأنبياء.
غزة اليوم ليست مجرد مكان، إنها نبض كل إنسان يؤمن بالكرامة. إنها صوت الحق الذي لا يخبو، وشجرة الصمود التي لا تذبل. بين أزقتها التي حفرت فيها حكايات الدم والمقاومة، وبين سمائها التي احتضنت صلوات المحاصرين، وبين أرضها التي روتها دماء الشهداء، تكتب اليوم ملحمة لن ينساها التاريخ.