المقالات

الفساد الاداري بقلم مجد العرود

الفساد الإداري

من أسباب الفساد الإداري ضعف وازع التقوى فمن ضعف إيمانه وضعفت تقواه هان عليه اقتراف المعاصي والكبائر ، ولهذا من كان تقيًّا كان أقرب للبعد عن الوقوع في هذه المحرمات ؛ لأن التقوى في حقيقتها أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية ، وهذه الوقاية هي امتثال أوامره عز وجل في كتابه أو على لسان رسوله ، واجتناب نواهيه الواردة في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، فضعف وازع التقوى هو مما يدعو لوجود مثل هذا الفساد وانشاره ، وهناك سبب ثان وهو ضعف الأمانة ، وقد بين النبي عليه الصلاة والسلام عظم الأمانة في قوله عليه الصلاة والسلام : «أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخر ما تفقدون الصلاة » وعظَّم الله عز وجل شأن الأمانة ، فبين أنه عرضها على السماوات والأرض فأبين أن يحملنها كما في قوله : ﴿ إِنَّا عَرضنا الأَمانةَ عَلَى السموات وَالأَرْضِ والْجبَال فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلنها وَأَشْفَقنَ مِنها وحَملَهَا الإِنسَان إِنَّه كَان ظَلُوما جَهولا﴾ فضعف الأمانة عند الشخص يجعله يستهين بهذا الأمر ويقع فيه .

كذلك أيضا من أسباب انتشار الفساد الإداري في المجتمعات قلة الراتب والامتياز للموظف ، وهذا ليس مبيحا له ، لكني اذكره مثل ضعف التقوى ، فهو أحد الأسباب وإن كنت لا اقر أن يكون المسلم ضعيف التقوى ، لكن اذكر الأسباب التي تؤدي إلى انتشار الفساد الإداري حتى إذا جئنا إلى وسائل العلاج نذكر ما يمكن أن يسهم في علاج هذا الداء ، فقلة الراتب أو المقابل للأعمال ربما تدفع النفس فتضعف ، فيأخذ الإنسان ما لا يحل له وما لا حق له فيه، ومن هنا اقول : إن ضعف الراتب وقلته ليس امرا مبيحًا للفساد ، ولكن وإن كان سببًا فإن على المسلم أن تكون تقوى الله عز وجل حاجزا بينه وبين الحرام ، وعليه أن يعلم أن القليل المبارك فيه والحلال خير من الكثير الحرام منزوع البركة.

ومن الأسباب أيضًا الرغبة في الحصول على الثراء ولو بطريق غير مشروع ، بعض الناس يسعى ويجعل في مطامحه ومطالبه أن يكون ثريا في وقت وجيز، فإذا جعل هذا المطمح نصب عينيه هان عليه الحرام في سبيل تحقيقه بكل وسيلة ، ولم يعبأ بالوسائل المحرمة ، فكل ما سقط في يده فهو الحلال ، سواء كان من طريق حرام أو من طريق حلال ، وهذا هو الذي لا ينبغي للمسلم وقد قال رسول الله صلى الله عليهوسلم: نعما بالمَال الصالح لِلرجلِ الصالح ، ومن التقوى أيضا أن تكون مكاسبك حلالا، فإن تزودت من مال فإن هذا مما يقويك بلا شك ، ولكن ينبغي أن تكون الوسيلة وأن يكون الحصول على هذا المال بالوسائل المشروعة لك ؛ لأنه ليس الحلال ما حل في يدك ، وإنما الحلال ما أحله الله لك.

ولكن السؤال هنا ما هي آثار الفساد إذا هيمن على الأمة وظهر وانتشر ؟إن الفساد الإداري له عدة آثار على الفرد وعلى المجتمع ، فأما الفرد فإنه يكون عضو هدْم وخرابٍ في المجتمع ، ويكون ممن يأكل حرامًا فلا يُسْمَع له دعاء، وأي مال نبت من سحت فالنار أولى به ، وتجد المال قد كثر في يده ، ولكن الغنى أبْعد عن قلبه ، فابتلاه الله عز وجل بفقر القلب ، وهذا موجود في كثير ممن يأخذون ما لا يحل لهم ، تكثر دنياهم وترتفع أرصدتهم في البنوك وأرقامهم تصل إلى كذا وإلى كذا ومع ذلك تجد حالهم في طمأنينة النفس وفي راحة البال في سيئ بل في أسوإ حال، وهذا من ضنك العيش الذي وعد الله به من تَنَكَّب عن طريق الحق ، وأما آثاره السيئة على المجتمع وعلى الأمة يتمثل في قلة الإيرادات الحكومية ، فتخسر الحكومة مبالغ طائلة من الإيرادات المستحقة لها بسبب هذا المرض الخبيث ، ولنأخذ مثالا وهو تحصيل الضرائب سواء كانت هذه الضرائب تحصل عند منافذ الدخول أو كانت تؤخذ على مخالفات في تجاوزات نظامية ، كأن تكون هناك لائحة عقوبات تنص على ان من فعل كذا فجزائه كذا أو عليه غرامة مالية قدرها كذا فنجد أنه إذا تسرب الفساد الإداري إلى الإحالة دون تنفيذ هذه اللوائح ، فإن هذه المبالغ لا يتم تحصيلها ، وذلك إما بردها إلى أصحابها عن طريق الواسطه والمحسوبيه وعن طريق الوجاهة ، وإما أن تكون عن طريق التحصيل لجيبه ومصالحه الخاصة ، وتحرم منها الدولة ، فهذا جانب ، فإذا تمت رشوة القائمين على أمور التحصيل فإن الدخل لا شك قد ينحسر، وهذا مما يؤدي إلى قلة وجود المبالغ في الخزينة ، وبخاصة إذا كانت الدولة قد وضعت أو احتاجت لمثل هذه الضرائب.

الأثر الثاني من آثار هذا الفساد على المجتمع انحسار النمو الاقتصادي للمجموع ، وذلك لأن معدلات الاستثمار تنخفض ، فإذا انخفضت معدلات الاستثمار انخفض الإنتاج المحلي، وكسد الاقتصاد وفقد نموه ، وإذا فقد الاقتصاد نموه ، ظهر أثره على المجتمع الذي نعيش فيه كذلك أيضًا من آثاره السيئة اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء ، لقد قضى الله تبارك وتعالى أن يكون بعض الخلق لبعض سُخْريا فهذا غني بالمال ، وذلك فقير بالمال ، وهذا غني بصحة البدن وقوة العمل ، وذاك فقير لا يستطيع أن يعمل هذا العمل ، ذاك غني بالأفكار والمخترعات والابتكارات ، وهذا ضعيف لا يستطيع شيئًا من هذا وهكذا فيجعل الله عز وجل هؤلاء العباد بعضًا لبعض سُخْريًّا حتى تتم بذلك عمارة الكون، ويحتاج بعضهم إلى بعض ، ويتم التعاون بينهم ، فإذا أسيء هذا التعاون وصار على الإثم والعدوان ، جاءت النتيجة سيئة لفقد التعاون على البر والتقوى وفقد ما قضى الله به بين الناس كأن يكونوا على طبقات في غناهم وفقرهم ، فذلك غني جدًّا ، وأولئك متوسطون ، وأولئك محتاجون ، فأي مجتمع يكون فيه الأغنياء ويكون فيه الفقراء ، ولكن يجب أن تكون الطبقة المتوسطة هي الأكثر ، فهذا مجتمع صالح ومفلح ؛ لأن غالب الناس فيه وسط ، والقليل منهم فقراء ، والقليل منهم أغنياء ، فيجود الأغنياء وبعض المتوسطين على الفقراء ، فتنسد وتضيق الفجوة بين الناس ، وتبعد الشحناء والعداوة من قلوب بعضهم على بعض ، أما في حال تفشي الفساد الإداري وظهور صرف الأموال في غير وجهها والتعامل بالحرام ، فإن طبقة الوسط تتلاشى ، ويزداد الغَنِي غِنًى على غِناه ، ويزداد الفقير فقرًا على فقره ، فتتسع دائرة الفقر والفقراء، وإذا اتسعت هذه الدائرة في مجتمع فما نتيجة ذلك ؟ النتيجة بلا شك عدم الأمن و الأمان ، وانتشار الجرائم، وظهور التعدي والاعتداء ، كل هذا بسبب فتح الباب على مصرعيه للفساد الإداري الذي أشرت إلى كثير من أضراره ، فهذا أثر من آثار تفشي الفساد الإداري في المجتمع.

أما إذا جئنا إلى العلاج الذي يمكن أن يكون له مساهمة في انحساره أو تلاشيه أو عدم انتشاره أو قلة وجوده ، فإن العلاج يتخذ عددا من الصور، لعل من أهمها حث الناس على تقوى الله تبارك وتعالى ، والخوف منه ، وبيان كمال مراقبته تعالى ، وأنه لا يخفى عليه خافية ، فهذا الأمر جدير بأن يُبَثَّ وينشر من الخطباء على المساجد ومن وسائل الإعلام بانواعها،ومنابر التواصل الاجتماعي ، ومن الْمُرَبِّين والمدرسين ، كذلك أيضًا حث الناس على التمسك بالأمانة ، وبيان عظيم شأنها كما عظمها الله عز وجل في قوله جل من قائل : ﴿إِنَّا عرضنا الأَمانةَ عَلَى السَّمَوَات والأَرضِ والْجبالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنها وَأَشفقْنَ منْهَا﴾

كذلك من أسباب العلاج العدل في صرف الرواتب والمستحقات ، يعني بأن تكون على قدر العمل وعلى حاجة العامل ، وأن يؤخذ هذا الجانب في الاعتبار ، حتى يستغني الناس عن التطلع إلى ما في أيدي الآخرين ، فالعدل أمر ينبغي أن يكون ، فإذا كان الدخل والراتب يجزي الموظف ويغنيه عن النظر لما في أيدي الناس كان هذا من أسباب عوامل انحسار الفساد ، كذلك من أسباب العلاج العدل بين الموظفين في إنصافهم وتقديم الأكفإ والنشيط على من دونه، لا النظر لاعتبارات القبيلة ونحو ذلك من الأمور والجوانب الشخصية ، ومَن وَلَّى رجلا يعلم أن أحدًا أكفأ منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ، ومن طرق العلاج أيضًا المراقبة والمتابعة الجادة من الجهات المعنية والرقابية على وجه الخصوص ، فإذا قامت الجهات الرقابية في دورها ومتابعتها المتابعة الجادة ، وهيأت لها الوسائل لتحقيق ذلك ، فإن هذا بإذن الله يعد من عوامل انحسار ذلك الفساد والداء العضال ، ويجب أن تُعْطَى تلك الجهات الرقابية الصلاحيات لتحقيق ما يُسَهِّل مهماتها، ومن طرق العلاج أيضًا تنفيذ العقوبات على كل مَن ثَبَت عليه شيء من أنواع الفساد ، كل بِحسبه وبحسب جريرته ، وإشهار ذلك لردع الآخرين ، دون محاباة ودون هوادة ، فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ، فإذا كانت عوامل نشر التقوى ونشر الأمانة وتخويف الناس بالله لم تعمل عملها في الناس و ما أَجْدَت إلا قليلا ، فإنه يُكمل هذا وازعُ السلطة ، فتأتي الجهات الرقابية بصلاحياتها وبدقة متابعتها ، ثم تأتي الجهات القضائية بإصدار الأحكام ، ثم تأتي الجهات التنفيذية بتنفيذ تلك الأحكام وإعلانها للناس حتى يعيش الناس في أمن وأمان من هذا الفساد وهذا البلاء العظيم.

مجد عبد اللطيف العرود

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى