جحيم لوس أنجلوس.. حرائق تبتلع المدينة وتكشف هشاشة “الحلم الأمريكي”
جحيم لوس أنجلوس.. حرائق تبتلع المدينة وتكشف هشاشة “الحلم الأمريكي”
عمر ضمرة-
لوس أنجلوس، مدينة الأحلام التي طالما جسدت الرفاهية والبريق، ومقر صفوة المجتمع الأمريكي من مشاهير هوليوود ورجال الأعمال، تحولت إلى جحيم ملتهب، بعدما اندلعت فيها حرائق مدمرة وصفت بأنها الأخطر والأكثر تكلفة في تاريخ الولايات المتحدة.
هذه المدينة التي تحتضن منازل فارهة يقدر بعضها بعشرات الملايين من الدولارات، مثل منازل الأسطورة أنتوني هوبكنز ونجمة الواقع كيم كاردشيان والممثل الشهير ميل جيبسون، وجدت نفسها تحت رحمة نيران لا تعرف الرحمة، التهمت الرفاهية وحولت الأحلام إلى رماد.
فر منها نحو 360 ألف شخص، يركضون بين الدخان والنار، تاركين خلفهم منازلهم التي كانت شاهدة على حياة مترفة وذكريات لا تعوض. حرائق لوس أنجلوس أحرقت الأخضر واليابس، إذ أتت على أكثر من 126 ألف دونم من الأراضي، تاركة وراءها مشاهد أشبه بلوحات مأساوية.
دمرت النيران ما يزيد على 10 آلاف مبنى، وخلفت خسائر مادية مذهلة تقدر بنحو 150 مليار دولار، وهو مبلغ يعادل تقريبًا قيمة الدعم العسكري الذي تقدمه الولايات المتحدة لدولة الإحتلال الإسرائيلي.
أما عدد الضحايا، فقد بلغ 10 أشخاص فقط، في حصيلة تبدو ضئيلة مقارنة بحجم الدمار، لكنها تكشف في الوقت ذاته عن حجم الكارثة الإنسانية التي اجتاحت هذه المدينة الساحرة. أمام هذا الجحيم المتسع، وجدت السلطات الأمريكية نفسها مضطرة لاتخاذ إجراءات غير مسبوقة، بما في ذلك استدعاء الحرس الجمهوري، وتجريد ألف سجين من قيودهم لدفعهم إلى خطوط النار.
إلا أن هذه الجهود بدت وكأنها لا ترقى لمواجهة حجم الكارثة، خاصة في ظل الرياح العاتية التي وصلت سرعتها إلى نحو 100 ميل في الساعة، ما منع الطائرات المتخصصة من التحليق والمساهمة في إخماد النيران.
وعلى الأرض، زاد فراغ خزانات المياه المخصصة لمكافحة الحرائق من تعقيد الأزمة، لتبدو الكارثة أكبر بكثير من إمكانيات السلطات المحلية. مع تصاعد النيران، تصاعدت أيضًا الاتهامات الموجهة إلى مركز إطفاء الحرائق في لوس أنجلوس، وخصوصًا قيادته التي اتهمها البعض بتبني معايير غير مهنية تعتمد على الميول الجنسية بدلاً من الكفاءة والخبرة.
هذه الاتهامات أشعلت جدلاً واسعًا في الأوساط الإعلامية والسياسية، حيث طالب كثيرون بإعادة النظر في سياسات التوظيف داخل المركز، معتبرين أن الكوارث بهذا الحجم تحتاج إلى قيادة حكيمة وقوة عاملة مدربة، لا إلى معايير مجتمعية بعيدة عن الاحتياجات الفعلية.
الحرائق التي اجتاحت لوس أنجلوس أثارت مشاعر متباينة على المستوى الدولي، بينما رآها البعض تجسيدًا لـعدالة إلهية انتقامًا من السياسات الأمريكية التي ألحقت الضرر بشعوب العالم، فيما رأى آخرون فيها عملاً بشريًا متعمدًا، خصوصًا مع منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تنبأت بوقوعها مسبقًا.
وبين هذا وذاك، يتساءل كثيرون: هل هذه الحرائق وليدة الإهمال أم أنها عقاب طبيعي أم مؤامرة مدبرة تستهدف كشف هشاشة النظام الأمريكي؟ ما يزيد المأساة عمقًا هو عودة الجدل إلى قرارات قديمة اتخذت في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، حيث طالب المسؤولين حينها بتخزين مياه الأمطار لمواجهة الحرائق المتكررة، لكن هذه التوجيهات لم تنفذ.
بدلًا من ذلك، استخدمت إدارة جو بايدن المياه المخزنة لتغذية أحد الأنهار بهدف حماية نوع مهدد بالانقراض من الأسماك، في خطوة أثارت تساؤلات حول أولويات الإدارة حينها.
حرائق لوس أنجلوس ليست مجرد كارثة طبيعية عابرة، بل مرآة عاكسة لضعف التخطيط وسوء الإدارة في واحدة من أغنى دول العالم. وبينما يحترق “الحلم الأمريكي” تحت ألسنة اللهب، يبقى السؤال الكبير مطروحًا: هل ستتخذ الولايات المتحدة العبر من هذه الكارثة لتعيد بناء نظام أكثر مرونة وفعالية؟ أم أن الدخان الكثيف سيظل يحجب الرؤية عن أوجه القصور التي أحرقت المدينة وأحلام سكانها؟
“لوس أنجلوس” اليوم ليست فقط مدينة منكوبة، بل رمز لحقيقة صادمة: حتى أكثر المدن رفاهية قد تكون عاجزة أمام قوى الطبيعة وإهمال البشر، مما يجعل “الحلم الأمريكي” يبدو أكثر هشاشة من أي وقت مضى.