عندما يتحول الأب إلى قاتل… هل نحتاج إلى تغيير جذري في التعامل مع الخلافات الأسرية؟.. بقلم د. منى سعود
د. منى سعود
تتداخل الأسباب التي قد تدفع بعض الآباء إلى ارتكاب الجرائم الأسرية في شبكة معقدة من العوامل النفسية والاجتماعية والاقتصادية، وتظل تلك الأسباب غير مبررة بأي شكل من الأشكال. بل، إن من أخطر وأبشع جوانب هذه الجرائم هو صمت الجاني بعد ارتكاب فعلته، وسرده لجريمته بهدوء يثير المزيد من التساؤلات والألغاز التي تشق الضمائر قبل أن تؤثر في العقول.
ما دفعني إلى الكتابة عن هذه الظاهرة كان الحادث المأساوي الذي هز مجتمعنا في محافظة الزرقاء، عندما أقدم أب على رمي أطفاله في سيل الزرقاء، مما أسفر عن فقدانهم لحياتهم في مشهد تقشعر له الأبدان.
لقد تفاعل المجتمع الأردني بأسره مع هذه الحادثة، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، وتبقى الأسئلة تتردد في الأذهان: ما الذي يدفع إنسانًا إلى ارتكاب مثل هذا الفعل؟ هل هي الضغوط النفسية، أم تراجع القيم، أم أن هناك قوى خفية تقف وراء هذا السلوك؟
من بين الأسباب التي قد تؤدي إلى وقوع مثل هذه الجرائم البشعة، تبرز مشاعر عدم التوازن النفسي، وحالات الفقر والبطالة التي تولد شعوراً عميقاً باليأس والعجز. كما أن حالات التفكك الأسري والعنف داخل الأسرة تساهم بشكل كبير في تفاقم الأزمة، مما يجعل الفرد ينشأ في بيئة غير مستقرة، تجعله عاجزا عن التعامل مع مشكلاته بشكل سليم. فكيف إذا كانت تلك المشكلات تتعلق بالأبناء، أولئك الذين لا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا في قلب هذه الدوامة؟
عوامل أخرى لا يمكن إغفالها هي تأثيرات الإدمان على المخدرات والكحول، التي قد تفضي إلى اضطراب في السلوك وفقدان القدرة على اتخاذ قرارات عقلانية، مما يزيد من خطورة المواقف. ولا يمكننا أن نغفل أيضا عامل الخلافات الزوجية المستمرة التي تتحول إلى صراع دام داخل الأسرة، مما يؤدي إلى تصرفات غير مسؤولة ومدمرة على كل الأصعدة.
هنا يبرز سؤال جوهري: هل نحن بحاجة إلى برامج مكثفة للتعامل مع الغضب وإدارته، خصوصا بين الأزواج؟ يجب أن يبدأ هذا التعليم من مرحلة الطفولة، بحيث يتعلم الأطفال كيفية التعامل مع المشكلات والأزمات وحلها بطرق سلمية. كما يجب توفير الدعم النفسي الكافي للأفراد الذين يعانون من ضغوطات نفسية شديدة، وتقديم برامج علاجية للتعامل مع مشاكل الإدمان.
إن تعزيز الوعي المجتمعي حول أهمية الاستقرار الأسري والتأثيرات العميقة التي تترتب على تفكك الأسرة أمر بالغ الأهمية. كذلك، يجب تفعيل دور المؤسسات الحكومية والخاصة والمنظمات غير الحكومية في دعم الأسر المتعففة وتوفير فرص العمل، لتحسين ظروفهم المعيشية، إذ أن هذه الجهود ستنعكس بشكل إيجابي على الأفراد والأسرة بشكل عام.
ولا يمكن أن نغفل دور المؤسسات في تقديم برامج تعليمية للمقبلين على الزواج، بالتعاون مع مرشدين وأخصائيين نفسيين، لتسليط الضوء على مسؤوليات الزواج وبناء صورة حقيقية للعلاقة الأسرية. أما في ما يتعلق بالعقوبات، فإن نشرها وفرضها قد يشكل رادعا قويا لأي شخص قد يفكر في ارتكاب مثل هذه الجرائم.
وفي هذا السياق، أود الإشارة إلى تزامن هذه الحادثة المأساوية مع صدور حكم الإعدام بحق الأب الذي أقدم على قتل طفله الرضيع في جريمة مشابهة نفذها العام الماضي. وهكذا، تزداد يقينا أن العقوبات العنيفة ستكون العاقبة الوحيدة لهؤلاء المجرمين.
التحرك السريع من قبل الجهات المعنية أصبح ضرورة ملحة، إذ لا بد من إجراء دراسات شاملة لهذه الحالات لكشف أسبابها، ولتوضيح الصورة بشكل أعمق، حتى يمكن التعامل معها بفعالية، ومنع تكرارها في المستقبل. إن تعزيز الرعاية والدعم الاجتماعي والنفسي للأسر هو السبيل الوحيد لضمان حماية الأطفال من هذه الظواهر التي تؤثر بشكل مباشر على مستقبلهم، وعلى المجتمع ككل.