صباحيات في ظلال معركة طوفان الأقصى (384)
صباحيات في ظلال معركة طوفان الأقصى (384)
الدكتور سلمان الرطروط
قال تعالى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا﴾ الأحزاب٥٧ هنالك بعض الناس يتعمدون الإساءة للأحكام الشرعية المنزلة من الله، سواء كان بالقول أم بالفعل أم بالإشارة، فهو المراد بأذى الله تعالى، وأما أذى النبي ﷺ ، فهو مثل الحط والإنقاص من قدره، والتشكيك في أفعاله ﷺ ، واتهامه بخوارم المروءة، وتتبع الشهوات ..ألخ، وقيل : ” نزلت في الذين طعنوا على النبي ﷺ في تزويجه صفية بنت حيي بن أخطب، والظاهر أن الآية عامة في كل من آذاه بشيء، ومن آذاه فقد آذى الله، ومن أطاعه فقد أطاع الله” _ابن كثير _ ، وفي الآية تهديد لهؤلاء في كل زمان ومكان.
وكما مُنع الأذى لله تعالى وللرسولﷺ، كذلك نهى الله عن أذى المؤمنين والمؤمنات، فمن قواعد بناء المجتمع المدني الداخلي الكف عن الاتهام الباطل للآخرين، مثل إساءة الظن بالمؤمنين والمؤمنات، لأن الأصل فيهم العدالة، ومن مقتضاها حسن الخلق، والالتزام بالأحكام الشرعية، ولذا شرع الإسلام عقوبة القذف وتبلغ ثمانين جلدة، وجعل عقوبات تعزيرية أخرى إن كان الاتهام والأذى دون حد القذف.
وتحدثت الآية عن استهداف المنافقين والكفار بالأذى للمؤمنين والمؤمنات، وإلصاق التهم الكاذبة بهم، وقلب الحقائق، ومقصود أولئك المنافقين التشكيك بالدين وأحكامه لأن المؤمنين حملته.
وفي العصر الحاضر تعمد بعض الجهات المعادية للإسلام والثلة المؤمنة الإيقاع برموز دعوية في قضايا ومسائل غير شرعية وخاصة الأخلاقية منها لأهداف كثيرة، ولذا فعلى هؤلاء الحذر، وتقوى الله وخشيته في السر والعلن، وعلى أؤلئك الخشية والحذر؛ فإن من يُلصق التهم الباطلة والمسيئة بالمؤمنين والمؤمنات وخاصة إن لم يرتكبوا شيئا منها، فعليهم من الإثم والوزر الشيء العظيم، ولهم العذاب المهين.
ومن القواعد الأخلاقية التي تنظم المجتمع الإسلامي ما يتعلق باللباس، سواء للنساء أم للرجال، فإظهار العورات ممنوع ومنهي عنه لكلا الطرفين، فالأماكن العامة لها حرمة، ودخولها له أسس أخلاقية، وقد فرق الإسلام بين الملابس المتخذة للخدمة داخل البيوت والمنشآت والمصانع وبين الملابس التي يظهر بها الإنسان في الأماكن العامة كالطرقات والأسواق، والمساجد، وأماكن العمل ..ألخ.
والتنبيه على ملابس النساء في الآية التالية لأنهن مناط التحرش والأذى من الرجال وخاصة الفساق، وربما كان اللباس من دواعي التحرش، ولذا أمر الله النساء بلبس الجلباب، وهو : كل لباس يستر البدن، ومن شرطه، أن يكون واسعا غير شفاف أو مجسم، أو أن يكون شعارا لأهل دين أو ملة أخرى، حتى يعرفن ويتميزن عن غيرهن، فلا يتعرض لهن الفساق ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ الأحزاب ٥٩
ولئن كان الإسلام دين الرحمة والشفقة والعفو، إلا أنه جعل لمن تجاوز الحدود عقوبات مبينة، وأخرى تعزيرية غير محددة، فالناس بشر، منهم الصالح، ومنهم العاصي، فمن أمن العقوبة أساء الأدب، وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، والعقوبة رادعة، ولذا فقد هدد الله المنافقين الذين يشيعون الأخبار الكاذبة بين الناس، وخاصة في الحروب والأزمات التي تعصف بالمجتمع، ويتعمدون إيذاء الله ورسوله والمؤمنين والمؤمنات، فهددهم وتوعدهم بإنزال العقوبات التعزيرية بهم، والتي قد تصل لعقوبة القتل في حالة التآمر والخيانة ومساعدة الأعداء، أو النفي والإخراج من المدينة، وقياسا عليها السجن في الوقت الحاضر، أو غير ذلك من العقوبات الرادعة ﴿ لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا(60) مَّلْعُونِينَ ۖ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا ﴾ الأحزاب ٦٠
وهذا الحكم على المنافقين والمرجفين ” سنته في المنافقين إذا تمردوا على نفاقهم وكفرهم ولم يرجعوا عما هم فيه، أن أهل الإيمان يسلطون عليهم ويقهرونهم ” ابن كثير ﴿ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ الأحزاب ٦٢
وفي ظل المعركة الحالية فإن هنالك العديد من الذين يؤذون الثلة المؤمنة الصابرة والموعودة بالنصر في الأرض المقدسة، وبعض أؤلئك يدعون أنهم من المسلمين، والخشية أن يشملهم وصف المنافقين الذين في قلوبهم مرض، إن كان نقدهم يُراد به الأذى وليس النصح.
وأما الذين ينخرطون في جيش الظالمين الغاصبين، ويقاتلون مع أعداء الله أهل الأرض المقدسة ومن ناصرهم، فلا شك أن هؤلاء من المنافقين، والذين هم في الدرك الأسفل من النار، حتى وإن أُقيمت لهم صلاة جنازة، ودفنوا في مقابر المسلمين ﴿ مَّلْعُونِينَ ۖ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾.
وتنقل وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي صور المأساة الواقعة بأراضي غزة وغيرها، فما وجد من النساء إلا الستر والعفاف، والصبر على البلاء، وفقدان الأحبة من الأزواج والأولاد والإخوة والأخوات والأرحام، ولسان المرء الصادق الكاره للظلم في كل مناحي الأرض يقول : ( آواكم الله، حفظكم الله، نصركم الله، ثبَّتكم الله، أيَّدكم الله)
#الأرض_المقدسة_المباركة
#الطائفة_المنصورة
#القدس_غزة_عسقلان
#سليمان_الرطروط