الراقصة والطبال”: إسقاط سينمائي على مسرح السياسة في عالمنا العربي..بقلم عمر ضمرة
عمر ضمرة-
في عالم يتشابك فيه الواقع بالخيال، يتسلل إلينا فيلم “الراقصة والطبال”، مقتبسًا عن رواية الأديب المصري إحسان عبد القدوس، ليعيد صياغة حكاية السلطة والشعب بلغة رمزية تجسد واقعًا سياسيًا مأزومًا. تبدأ الحكاية عندما يحاول الطبال، رمز الشعب الواعي، إثبات أن صوته – الطبلة – أهم من تمايل جسد الراقصة التي تمثل في الفيلم “السلطة”.
وفي مشهد يعج بالسخرية والرفض، يحاول “الطبال” إثبات أن وعي الشعب أهم من السلطة، إلا أن الجمهور الثمل، والمقولب والمشحون بإعلام مغرض وموجه، يهتف مطالبًا بعودة الراقصة، في مشهد يعكس الانقياد الجماعي لسطوة السلطة.
هنا، يقرر الطبال صناعة راقصة جديدة، غير معروفة، لينشئها على مبادئه وفنه، إذ يعلمها الرقص بإتقان، لكنها، بعد أن تتقن “الرقص على حبال السلطة”، تبدأ بطلب الزواج منه، نتيجة التقارب الكبير بينهما والتفاهم المشترك. وهو ما يرفضه “الطبال” باعتباره خيانة لوعيه الشعبي، إلا أن الأمور لا تتوقف عند هذا الحد، إذ تدخل إلى المشهد شخصية “أبو الهدد”، رجل الأعمال الفارغ الذي يجسد رأس المال المهيمن. وبإغراء المال والنفوذ، تنتقل الراقصة من يد الطبال إلى حضن رجل الأعمال، في إسقاط مرير على واقع الهيمنة الاقتصادية في دول العالم الثالث.
منذ بزوغ مفهوم العولمة، بدا وكأن العالم يتحول إلى قرية صغيرة، حيث الحدود تتلاشى تحت تأثير الثورة التكنولوجية ومواقع التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، كانت هذه العولمة، التي روجت لها عقول أمريكا، أشبه بمسرح خفي تتحكم فيه القوى الكبرى، خاصة في المشهد السياسي.
قديمًا، كنا نسمع عن رؤساء تصنعهم القوى العظمى، فتبدو هذه الحكايات أشبه بأساطير. ولكن مع الزمن، أصبحت هذه الحقيقة واضحة كالشمس، خاصة مع تصاعد نفوذ الأفلام الهوليوودية السياسية، التي تصمم أحداثها بحبكة رديئة، ولكنها تستعين بالكومبارس العرب لإضفاء الواقعية على مشهد العبث.
ما حدث في سوريا ليس إلا فيلمًا ضعيف السيناريو والإخراج، حيث كان الممثلون الرئيسيون أقرب إلى دمى تتحرك وفقًا لأوامر خارجية، بينما تألق “الكومبارس العرب” في لعب أدوارهم بطفولية سياسية مدهشة. وفي حين كان الشعار المرفوع هو الحرية والديمقراطية، كانت النتائج احتلالًا للأرض، كما حدث في الجولان – 300 كيلومتر مربع إضافي ومنطقة جبل الشيخ ومنابع روافد الحاصباني وبانياس واللدان – وجنوب لبنان حتى نهر الليطاني الذي يحظى بأهمية كبيرة لدى الكيان الصهيوني. أضيفت مساحات جديدة تحت سيطرة الكيان الصهيوني، وشلت منابع المياه الرئيسية، بينما كان “الكومبارس” يصفقون لمقولات جوفاء عن الحرية والتحرر.
وكان المسلسل الإعلامي، عبر قناة “العيديد” القطرية، يبث على مدار 24 ساعة قصصًا وخيالات وفبركات عن سجن صيدنايا، الذي لا يختلف عن غيره من السجون في عالمنا العربي الكبير. ولكن الفرق هنا أن إعلام “العيديد” تلقى الأوامر الأمريكية، لجذب الكومبارس العرب لهذا المسلسل الممجوج، مع تناسي سجون أبو محمد الجولاني في إدلب، وتناسي المذابح وقطع الرؤوس وذبح وسبي النساء التي كان التكفيريون يمارسونها على مدار أكثر من 12 سنة في سوريا.
بينما يشاهد الجمهور العربي “الراقصة والطبال” على الشاشة، يعيشون فصوله في الواقع. السلطة، التي تبدأ بريئة تحت عباءة الشعب، تنحرف نحو سطوة المال والنفوذ، تاركة الشعب مثخنًا بجراحه. وفيما يتشدق البعض بالحرية والديمقراطية، تبقى الأراضي محتلة، والسيادة منهوبة، والكومبارس لا يزالون يؤدون أدوارهم بإتقان مخجل.
فهل نستفيق يومًا من هذه الدوامة؟ أم أن الطبلة ستبقى صامتة، مهزومة، مسلوبة الإرادة، تنتظر راقصة أخرى تسرق الأضواء؟