اخبار عالميةاخبار عربيةالأخبار الرئيسيةالمقالات

سوريا ومخططات التقسيم: بين مؤامرات الخارج وصمود المقاومة

عمر ضمرة-

لا تزال سوريا تواجه أعنف محاولات التقسيم والتفتيت في العصر الحديث، ضمن مخطط مدروس يستند إلى رؤية “برنارد لويس” لتقسيم العالم العربي. لم تكن التحركات الإرهابية الأخيرة عشوائية، بل جاءت بتعليمات دقيقة من الغرب المتصهين وتركيا حليفة “الناتو”، لتوجيه الأسلحة الحديثة والمسيرات المتطورة ضد الدولة السورية. الهدف واضح، وهو ضرب استقرار سوريا، وقطع خطوط الإمداد التي تمثل شريان الحياة لحركات المقاومة في لبنان، وتحديدًا ضد الكيان الصهيوني المحتل.

تتعدد الأسماء، لكن الجوهر واحد، أكثر من 35 فصيلًا وجبهة، جميعها تنحدر من الجذور السامة لتنظيم القاعدة والنصرة وداعش. تغيير الأسماء والشعارات لا يخفي السم الزعاف الذي يحمله هؤلاء للمنطقة. إنهم أدوات في يد القوى الدولية، يحاربون بالوكالة تحت شعارات زائفة تخفي وراءها أجندات الرأسمالية العالمية.

لم تأت التحركات الإرهابية الأخيرة في سوريا صدفة، إذ أن الأرض كانت تهيأ منذ وقت طويل لمثل هذا السيناريو المأساوي. عمليات تدريب عسكرية مكثفة جرت في المناطق الخاضعة للسيطرة التركية والأمريكية، بينما كانت المقاومة الفلسطينية، وقوى الإسناد اللبنانية واليمنية والعراقية، تجاهد ضد الكيان الصهيوني المحتل، ما يؤكد وجود تخطيط مسبق لترتيب هذا المشهد الدموي.

المؤامرة ليست وليدة اللحظة، بل هي حلقة في سلسلة مشروع التقسيم والتجزئة الذي تسعى قوى دولية لتطبيقه بأدوات إقليمية. هؤلاء الذين يرفعون شعارات الثورة والحرية لم يدخروا جهدًا في زعزعة استقرار سوريا، ليس خدمة لشعوب المنطقة، بل استجابة لمخططات الكيان الصهيوني والرأسمالية الأمريكية، الرامية إلى تحطيم آخر خطوط الإمداد للمقاومة الإسلامية في فلسطين وحزب الله اللبناني.

نتنياهو، الذي يتظاهر بالهدنة مع لبنان، يعد العدة لضرب منشآت حزب الله، بينما يراقب العالم بصمت، وكأن هذا التحرك لا يحمل في طياته رسائل لتقويض أي مقاومة تواجه الهيمنة الصهيونية.

هذه الفصائل التي تدعي المقاومة، تتلقى دعمًا لا ينضب، وعلى رأسها مسيرات حديثة، من تركيا والولايات المتحدة وإسرائيل، بل وحتى من أوكرانيا، والتي كان يمكن استخدامها ضد الاحتلال الإسرائيلي، لكنها وجهت إلى الدولة السورية. بينما كانت المسيرات العراقية والايرانية واللبنانية تضرب الكيان الصهيوني، كان هؤلاء يعدون العدة ويتدربون لتوجيه المسيرات، ضد دمشق. هذه المعادلة الملتبسة لا تترك مجالًا للشك في أن الإرهاب في سوريا يدار من غرف مظلمة تسعى لتقسيم البلاد وقطع خطوط الإمداد للمقاومة، لتبقى إسرائيل القوة الإقليمية المطلقة.

الإعلام الغربي والعربي الموجه، لا يكتفي بدعم الإرهاب بل يسعى لتشويه الوعي الجماهيري. في مشهد أول، يصور المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي كعمل شرعي شريف. وفي مشهد ثان، يصور هجمات الإرهابيين على الدولة السورية بأنها مقاومة مشروعة أيضًا، ليخلق حالة من التماهي المخادع بين مقاومتين لا تمتان لبعضهما بصلة.

في غزة، يظهرون المقاومين الفلسطينيين كأبطال، يعرضون لقطات استهدافهم لدبابات الاحتلال بكمائن محكمة، ويشيدون ببطولاتهم، وهي الحقيقة. وفي المشهد المغاير، مع تغيير الخارطة، في الحالة السورية، يعيدون استخدام نفس اللغة الإعلامية، على لسان ذات المحللين، لتمجيد الإرهابيين -ويطلقون عليهم اسم المقاومين أيضًا- الذين يفجرون الدبابات السورية، ويصورون قصف الطيران السوري والروسي لمواقع الإرهاب على أنه استهداف للمدنيين.

أبرز التغييرات الأخيرة تمثل في استخدام إسرائيل للبراميل المتفجرة ضد المقاومة الفلسطينية في غزة، وهو مصطلح جديد أضيف إلى القاموس الإعلامي، لهذه الفضائيات. في ذات الوقت، يعاد استخدام نفس المصطلح في السياق السوري لوصم الجيش العربي السوري. الهدف هنا مزدوج، تشويه صورة المقاومة الحقيقية، وخلق حالة من التماهي الزائف بين الإرهاب المنظم في سوريا والمقاومة الشريفة في فلسطين.

شتان بين مقاومة فلسطينية شريفة تواجه الاحتلال الصهيوني ببطولة، وبين مشروع إرهابي خاضع لإملاءات القوى الاستعمارية الحديثة. الهدف الواضح من هذا المشهد العبثي هو تحويل إسرائيل إلى دولة إقليمية مقبولة، بينما تدمر سوريا وتعزل عن محور المقاومة.

المقاومة الفلسطينية حق مشروع أقرته مواثيق الأمم المتحدة والقوانين الدولية لأي شعب تحت الاحتلال. أما ما يحدث في سوريا، فهو جزء من مشروع صهيوني خبيث، يستهدف تقسيم سوريا وعزلها عن محور المقاومة. إن الهدف النهائي هو إدخال إسرائيل كقوة إقليمية مهيمنة في منطقة الشرق الأوسط، لكن هذا لن يتحقق طالما بقيت رصاصة مقاومة واحدة.

المرحلة القادمة تحمل في طياتها تهديدًا مباشرًا لكل المنطقة، من تقطيع غزة، وضم الشمال إلى مدينة عسقلان، والشرق لفلسطين المحتلة، إلى محاولة تهجير سكان ما تبقى إلى سيناء، في حال رفضت مصر هذه المؤامرة، ستهدد بما يجري في سوريا.، والذريعة أضحت معلومة، وهي تردي الأوضاع الإقتصادية في مصر. علينا أن نتكاتف وندرك أن المقاومة ليست خيارًا، بل واجب وطني وقومي وإنساني، لأن الاستسلام يعني فناء المنطقة بأكملها.

رغم كل المؤامرات، يستمر الجيش العربي السوري، مدعومًا بحلفائه، في استعادة قوته، وتحرير المناطق التي سقطت تحت سيطرة الإرهاب. هذا الصمود لا يخدم سوريا فحسب، بل يمثل ضرورة قومية لكل دول المنطقة، من الأردن إلى مصر والخليج.

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى