اخبار عالميةاخبار عربيةالأخبار الرئيسيةالمقالات

القرار المصري بمنع دخول السوريين.. بين حماية الأمن القومي وتحديات الإقليم

عمر ضمرة-

في خطوة حازمة تعكس رؤية مصرية ثاقبة لحماية الأمن القومي، جاء القرار المصري بمنع دخول السوريين من كافة دول العالم إلى أراضيها.

هذا القرار، الذي أثار تساؤلات عديدة، ينبع من حرص الدولة المصرية على تحصين حدودها من التهديدات الإرهابية المتزايدة، خاصة في ضوء التطورات المتسارعة على الساحة السورية.

تزامن هذا القرار مع رفض أبو محمد الجولاني، القائد العام لهيئة تحرير الشام، تسليم قائمة بأسماء إرهابيين مصريين مطلوبين من قبل السلطات المصرية. وكانت هذه القائمة بمثابة أول اختبار من الدولة المصرية لقياس نوايا أبو محمد الجولاني، ومدى التحول الذي طرأ على الأفكار التكفيرية التي تتبناها هيئة تحرير الشام.

إن هذا الرفض يعزز الشكوك المصرية حول مقاصد هذه الجماعات المسلحة، التي طالما اتسمت بتوجهاتها الإقصائية ونهجها التكفيري. تؤمن الدولة المصرية بأن الميليشيات المسيطرة في سوريا، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، لن تكون قادرة على تأسيس دولة حقيقية.

هذا الاعتقاد يستند إلى أن هذه الجماعات تعمل وفق أجندات تركية وإسرائيلية وأمريكية، إذ تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب سيادة واستقرار سوريا. كما تعتقد مصر أن هذه الأجندات تهدف إلى تفتيت المنطقة وزرع الفوضى لتحقيق مكاسب استراتيجية، أبرزها السيطرة على الموارد الطبيعية كالمياه والنفط والغاز.

من الواضح أن بعض دول الخليج، وخاصة قطر، لعبت دورًا كبيرًا في دعم قوى المعارضة المسلحة ضد الدولة السورية. وقد أدى هذا الدعم إلى تفتيت سوريا وجعلها ساحة صراع دولي وإقليمي. في الوقت نفسه، استغلت إسرائيل الوضع لتحقيق أهدافها المائية، حيث باتت تسيطر على منابع مياه أنهار الحاصباني واللدان وبانياس، التي تغذي نهر الأردن.

إن دولة الإحتلال الإسرائيلي لم تنسحب من جنوب لبنان، لتبقى مهيمنة على مياه نهر الليطاني. كما تقوم دولة الاحتلال بتصدير 55 مليون متر مكعب من المياه إلى الأردن، بموجب اتفاقية وادي عربة، وهي أصلا من المياه التي سرقتها من نهر الأردن، والتي تصب في بحيرة طبريا، حيث تعيد تصديرها وبيعها للأردن.

وفي هذا العام، جددت الاتفاقية لمدة ستة أشهر فقط. فهل ستقوم إسرائيل بممارسة الضغوط على الأردن فيما يتعلق بملف المياه؟ وفيما يتعلق بملف الطاقة، فإن الغاز يتم استيراده من إسرائيل. من المصلحة الأمريكية الإبقاء على الأوضاع غير مستقرة، إذ وجد الغرب الرأسمالي أن وجود ميليشيات أكثر ربحًا وأقل تكلفة من وجود دول وطنية. وهذا ما يسعى إلى تحقيقه وفقًا لمخططات برنارد لويس.

تشير التقارير إلى أن الدعم المالي القطري، الموجه لدعم النظام السوري القائم، قد ساهم في تحسين رواتب موظفي القطاع العام، فيما ترى مصر أن الأشهر المقبلة ستشهد تصاعدًا في حدة الصراعات داخل سوريا، حيث ستتحول البلاد تدريجيًا إلى ساحة نزال بين القوى الدولية والإقليمية، الأمر الذي سيسرع من وتيرة الانقسام الداخلي، ويهدد البلاد بكارثة إنسانية واقتصادية وشيكة، تنذر بمزيد من التدهور في المشهد السوري المعقد.

يمتد تأثير القرار المصري ليشمل علاقات القاهرة مع دول الجوار، وخاصة الأردن. فقد جاءت زيارة الملك عبد الله الثاني إلى مصر مؤخرًا لتؤكد على عمق التنسيق بين البلدين لمواجهة تداعيات الوضع السوري. وتم الاتفاق على تعزيز التعاون العسكري والاستخباراتي، بما في ذلك توفير دعم إضافي لخطوط الغاز، وصفقات تسليح وتدريبات مشتركة.

في هذا السياق، يبرز دور جماعة الإخوان المسلمين كأحد أهم الأطراف التي ساهمت في تفتيت الدولة الوطنية. فقد أثارت تغريدة ابن الدكتور عبد الله عزام الدكتور حذيفة العزام، على التحريض ضد الطائفة العلوية في سوريا جدلًا واسعًا، مما يعمق الانقسام الطائفي. ويقول في تغريدته: “أدبوهم واكسروهم بهدوء، واخضعوهم في الظلمات. تصدوا لأئمة الفتنة، ودعاة الطائفية، ورؤوس الشر بعمليات سرية، ومداهمات خفية، وكمائن مفاجئة. لاتصوروا ولا تنشروا ولا تتبنوا”.

ليس غريبًا أن يصرح الدكتور حذيفة بهذا الكلام، ويحرض على اقتتال طائفي، وهو ابن من استخدمتهم أمريكا، مع غيره من جماعة الإخوان المسلمين، للقتال عنها بالوكالة في أفغانستان.

تصريحات العزام، التي تدعو إلى مواجهة الطائفة العلوية بعمليات سرية وكمائن خفية، تظهر بوضوح طبيعة الفكر الإقصائي والتكفيري الذي تتبناه المليشيات الإسلامية.

إن استمرار الأوضاع الراهنة في سوريا ينذر بتداعيات خطيرة على المنطقة بأسرها. فالسيطرة الأمريكية على النفط والغاز، والهيمنة الإسرائيلية على المياه، ستلحق الضرر بدول مثل الأردن ولبنان. كما أن بقاء الأمور غير مستقرة يتماشى مع المخططات الغربية التي تهدف إلى إضعاف الدول الوطنية واستبدالها بميليشيات تابعة.

لم تكتف مصر بإعلان موقفها فقط، بل وضعت شروطًا واضحة للتعامل مع النظام السوري الجديد، حيث تشمل هذه الشروط: تشكيل حكومة وحدة وطنية، الحفاظ على التنوع العرقي والطائفي، منع التدخلات الخارجية والاملاءات الأجنبية، الحفاظ على الإستقرار ووحدة الأراضي السورية. إن القرار المصري بمنع دخول السوريين يمثل جزءًا من استراتيجية شاملة لحماية الأمن القومي المصري.

في ظل الفوضى التي تعصف بسوريا، تثبت مصر مرة أخرى أنها تدرك تمامًا تعقيدات المشهد الإقليمي، وتسعى بخطى ثابتة للحفاظ على استقرارها واستقرار المنطقة بأسرها

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى