اخبار محلية
صباحيات في ظلال معركة طوفان الأقصى (365)
صباحيات في ظلال معركة طوفان الأقصى (365)
بقلم الدكتور سلمان الرطروط
سورة لقمان من المثاني، وهي مكية، وقيل: عدا الآيات ٢٧_٢٩ فمدنية مع أن موضوعها عقدي، وآياتها ٣١
ويذهب بعض العلماء لتقسيم موضوعات الآيات القرآنية إلى ثلاثة أقسام؛ فالأول: ما يتعلق بالعقيدة، والثاني: ما يتناول التشريعات، والثالث: ما يختص بالأخلاق.
وسورة لقمان تجمع بين قضايا ومسائل العقيدة والأمور الأخلاقية، وقد بدأت بالحروف المقطعة ﴿الٓمٓ﴾ والتي يأتي بعدها الإشادة بالقرآن الكريم، وأنه تنزيل العليم الحكيم، وأن الذين اتبعوه من المفلحين في الدنيا والآخرة الآيات ٢_٥
ولقد استخدم كفار قريش وسائل عدة للصد عن اتباع الحق، منها التعذيب الجسدي، والسخرية والاستهزاء، والمقاطعة..ألخ وتشير الآية التالية إلى نوع مبتكر، باستخدام الغناء والرقص لإلهاء الناس عن دين الحق، ويمكن وصفه بأنه : ” استخدام وتحريك الغرائز والشهوات الحيوانية ” بهدف المنع من الإيمان ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ _لقمان ٧_
وهذا ما يشبه استخدام الضالين الآن للأفلام والأغاني التي تثير الغرائز، وتكون سببا في الهبوط الأخلاقي، والابتعاد عن الدين، والقيم الأخلاقية الإنسانية، والفطرة السليمة.
( فعن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث، كان يشتري القينات _المغنيات_ وكان لا يظفر بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته، فيقول لها: أطعميه واسقيه وغنيه، ويقول: هذا خير مما يدعوك إليه محمد، وكان يشتري كتب الأعاجم فيرويها ويحدث بها قريشاً، ويقول: حديثي خير من حديث محمد، وكان يستهزئ بالقرآن، وبمن آمن به)
وقد منع الاستكبار هذا المشرك وغيره عن الإيمان، رغم وضوح الآيات الدالة على وجوده سبحانه، وكذلك قوة حجة وبلاغة القرآن وفصاحته، والتي عجز العرب عن أن يأتوا بسورة من مثله، فهل يقارن الغناء، أو القصص والخرافات بآيات القرآن الكريم المعجزة ؟!!! ﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ _لقمان ٧_
وأما الثلة المؤمنة بالله سبحانه وكتابه العزيز، والذين لا يلتفتون إلى لهو الحديث، ولم يمنعهم عن الإيمان؛ فهؤلاء ليس لهم جزاء في الآخرة إلا جنات النعيم ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ ( خَالِدِينَ فِيهَا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ _لقمان_
ويضرب الله أمثلة وآيات دالة على خلقه وقدرته؛ فخلق السموات والأرض دون مشاهدة أعمدة تحملها، فهذه الأجرام معلقة في الفضاء، وتسير بسرعات عالية، فلا يصدم بعضها بعضا، وكذلك خلق الجبال الشامخات والتي جعلها الله رواسي للأرض، حتى تستقر ولا تضطرب، وجعل فيها من كل الدواب مختلفة الألوان والأشكال، والمنافع، فهي أمم كثيرة مختلفة ومتنوعة وهي مملكة الحيوانات الكبرى، وأنزل الماء من السماء وجعله سببا للحياة، وأنبت به كل مملكة النباتات الكبرى ﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾ _لقمان ١٠_
فكل ذلك من خلق الله، الذي خلق فأبدع، وصور الإنسان في أحسن تقويم، وجعله مكرما، فهل تستطيع الآلهة المزعومة صنع شيء يماثل ما خلقه الله وصنعه؟ كلا، والله، فهي عاجزة عن دفع الأذى عن نفسها أو جلب الخير، فلله الأمر من قبل ومن بعد ﴿ هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾ _لقمان ١١_
وفي ظل المعركة الحالية فإن دولة الظالمين الغاصبين قامت بموجب قرار الأمم المتحدة، ولم تكن إقامتها طبيعية مثل باقي الدول الأخرى، وهاهم اليوم يرفضون أي قرار للهيئة التي أقامتهم، بل ويدمرون مؤسساتها، ولا يجعلون لها حرمة، ويمنعون رئيسها من دخول الأراضي المحتلة.
ورغم صدور العديد من القرارات الأممية، ومنها القرار ١٨١ والذي أنشأ دولتهم، ولكنه أيضا ينص على حقوق أخرى للشعب المظلوم، وينشئ دولة لهم على ما يقارب ٤٨ ٪ من الأراضي الواقعة تحت سلطة الانتداب البريطاني، ولكن الاستكبار والغرور جعل الظالمين الغاصبين يعترفون بالبعض الذي يمنحهم الحقوق، ويرفضون كل ما يتعلق بحق الشعب المظلوم، ورغم إجحاف القرار بالشعب المظلوم، ووضوح حقه في أرضه ودياره، فما أشبه أولئك البغاة بمشركي قريش، وكأن في آذانهم وقرا ﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾
وكما كان الذل والخضوع والهوان عاقبة المشركين الظالمين، فسيكون كذلك عقوبة أولئك البغاة المجرمين.