اخبار عربيةاخبار محليةالأخبار الرئيسيةزرقاويات
الزرقاء: الناقد زياد أبو لبن يضيء جوانب من فكر وأدب نجيب محفوظ

الدرب نيوز- عمر ضمرة-
أحيا فرع رابطة الكتاب الأردنيين في الزرقاء مساء أمس أمسية ثقافية متميزة، استضاف فيها الكاتب والناقد الدكتور زياد أبو لبن للحديث عن أدب الأديب العالمي نجيب محفوظ، حيث قدم ورقة نقدية موسومة بعنوان “نجيب محفوظ بين الشك واليقين”.
وقال الدكتور أبو لبن، خلال الأمسية التي حضرها رئيس الفرع الكاتب مأمون حسن وجمع من الكتاب والنقاد والمهتمين، إن نجيب محفوظ، الذي غاب عن عالمنا في الثلاثين من آب عام 2006 بعد مسيرة إبداعية امتدت لأربعة وتسعين عامًا، هو النهر الذي تفرعت منه قنوات الأدب العربي الحديث، إذ جمع في شخصه بين دقة التنظيم الصارم ووهج الخيال الجامح، فكان منضبطًا في حياته اليومية، متمردًا في رؤاه الفكرية والفنية.
وأشار إلى أن محفوظ عاش تجربة فريدة في الكتابة، إذ لم يكن يسرد حياته كما هي، بل كان يعيد خلقها فنيًا، مستحضرًا تفاصيل الواقع المصري بروح فلسفية تطرح الأسئلة الكبرى حول الإنسان والوجود والقدر، لافتًا إلى أن لقاءاته الشخصية مع محفوظ في القاهرة في أواخر الثمانينيات كشفت عن إنسان شديد التواضع، عميق الفكر، يكتب كمن ينسق نوتة موسيقية للحياة، ويؤمن بأن الكتابة ليست مهنة بل قدر روحي.
وأفاد أبو لبن بأن محفوظ، رغم عظم مكانته، لم يكتب سيرته الذاتية بشكل مباشر، لأنه كان يرى أن السيرة ليست اعترافًا بقدر ما هي كشف لأسرار الآخرين أيضًا، وقد قال ذات مرة: “كنت أريد أن يرى القارئ مني ما أختار أن أقول له أنا”، وهو موقف يدل على وعيه الأخلاقي والفني، وإدراكه لحساسية البيئة الاجتماعية العربية تجاه البوح الشخصي.
ورأى أبو لبن أن رواية “أولاد حارتنا” تمثل ذروة نضج محفوظ الفني والفكري، فهي ليست مجرد نص روائي مثير للجدل، بل وصية فكرية كبرى كتبها عن الإنسان في بحثه الدائم عن المعرفة والعدل.
وأوضح أن محفوظ استخدم الرمز لا ليخفي المعنى بل ليكثفه، فجعل من “الحارة الشعبية” كونًا مصغرًا للبشرية، ومن شخصياتها رموزًا ولصراع الإنسان مع قدره، محولًا الرواية العربية من الواقعية التسجيلية إلى الواقعية الرمزية والفلسفية.
وأشار إلى أن “أولاد حارتنا” كانت نقطة تحول في الوعي العربي لأنها نقلت الأدب من حدود “الحارة المصرية” إلى آفاق الفكر الإنساني، وأثارت أسئلة محرمة عن علاقة الإنسان بخالقه، وعن معنى الحرية والقدر، مبيناً أن محفوظ لم يكن ملحدًا كما اتهمه البعض، بل مؤمنًا يرى الإيمان تجربة إنسانية عميقة، قائلاً: “أنا لم أكتب رواية ضد الدين، بل ضد استخدام الدين لتبرير الظلم”.
وبين أبو لبن أن فلسفة محفوظ تمثل توازنًا نادرًا بين العقل والإيمان، بين الشك واليقين، وأن رحلته الفكرية تشبه رحلة الغزالي، انتهت بيقين قلبي لا عقلي، تجلى في رواياته: “الطريق” و”الشحاذ”، مؤكدًا أن محفوظ، رغم الجدل والاتهامات ومحاولة اغتياله، ظل متمسكًا بابتسامته وبإيمانه بالحرية الفكرية، مدافعًا عن حق الأدب في أن يثير الأسئلة ويكشف ما يخشى البوح به.
وفي ختام الأمسية، دار نقاش وحوار ثري بين الحضور تناول محطات بارزة في مسيرة محفوظ الأدبية، واستعرض أثره العميق في تطوير الرواية العربية، بوصفه الكاتب الذي جعل الأدب مرآة للإنسان في حيرته وسعيه الدائم نحو النور والمعرفة.


