قطر وحماس: بين التحالفات السياسية والضغوط الأمريكية..بقلم عمر ضمرة
الدرب نيوز- عمر ضمرة-
في عام 2006، فتحت دولة قطر قنوات اتصال غير تقليدية مع حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، وذلك بتوجيه من الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قدمت الدعم المالي للحركة، كجزء من استراتيجية متوازنة تسعى لإيجاد نوع من الاستقرار في المنطقة.
وتحت رعاية أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة، كان قطاع غزة على موعد مع زيارة تاريخية من زعيم عربي، إذ زار الشيخ حمد قطاع غزة عام 2012، مقدمًا عرضًا لحركة حماس بافتتاح مكتب سياسي لها في الدوحة، ليكون مقرًا دائمًا لها بعد خروجها من الأردن ومن ثم سوريا.إثر تصاعد النزاع الداخلي في سوريا عام 2011 ووقوف “حماس” إلى جانب الجماعات المعارضة للنظام السوري، تغيرت المعادلة، واضطرت الحركة للخروج مجددًا، ولكن هذه المرة إلى قطر.
وكان هذا الانتقال بتوجيهات أمريكية، كخطوة استراتيجية لتجنب انجراف “حماس” إلى النفوذ الإيراني، ومنعها من التحول إلى “ميليشيا” تابعة لقرارات طهران، على غرار “حزب الله” اللبناني، وفقًا للرؤية الأمريكية.
استمر دعم قطر لحركة حماس، حيث قدمت قطر ما يقارب 2.6 مليار دولار سنويًا للحركة، الأمر الذي أكسب قطر تأييدًا شعبيًا واسعًا في العالم العربي، مما مهد الطريق لعلاقات معقدة. لكن الأوضاع أخذت منحى جديدًا بعد أن خرج الشهيد يحيى السنوار من سجون الاحتلال الإسرائيلي، وتولى قيادة الجناح العسكري للحركة، بنظرة متشددة نحو التصعيد ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ومع هذه التغييرات، بدأت الفجوة بين رؤية قادة المكتب السياسي في الدوحة وتوجهات القيادة العسكرية داخل قطاع غزة، إذ بدأت قرارات الجناح العسكري تنفصل عن سياسات المكتب السياسي لحماس في قطر، مما أدى إلى تضاؤل نفوذ القادة في الدوحة أمام الصعود العسكري داخل غزة.
بلغت هذه الفجوة ذروتها مع هجوم السابع من أكتوبر، أو ما سمي بـ”طوفان الأقصى”، إذ فشلت الضغوط الأمريكية عبر قطر، في إقناع الجناح العسكري لحماس بالقبول بالشروط الإسرائيلية لإطلاق سراح الأسرى، الأمر الذي أدى إلى تعميق الاختلافات بين الأجنحة داخل حركة حماس.
وفي ظل هذا التوتر المتنامي، تجنبت دولة الاحتلال الإسرائيلي استهداف الشهيد إسماعيل هنية في قطر لتفادي إحراج الدوحة، في حين تم اتخاذ قرار تصفيته في طهران، بهدف توظيف مشاعر الشعوب العربية وتوجيهها ضد إيران من خلال إحراجها باعتباره ” اسماعيل هنية” ضيفًا إيرانيًا، مما أدى إلى تصعيد المواجهات، حيث ردت إيران بضربة صاروخية واستخدمت طائرات مسيرة ضد القواعد العسكرية الإسرائيلية، مما أسفر عن تغيير في قواعد الاشتباك في المنطقة.
وفي ظل هذه المعطيات وتعقيد المعادلة السياسية بالمنطقة، أعلنت قطر مؤخراً تعليق وساطتها في مفاوضات حماس وإسرائيل، معتبرة أن وجود المكتب لم يعد ذا جدوى، محاولة بذلك الموازنة السياسية، من خلال إرضاء الضغوط الأمريكية دون استفزاز الرأي العام العربي والإسلامي.
ومع مضي دولة الاحتلال الإسرائيلي في خطتها لتهجير سكان شمال غزة وبناء مستوطنات جديدة هناك، تنفيذًا لما بات يعرف بـ”خطة الجنرالات”، يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ينتظر وصول دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية مطلع العام المقبل، متأملاً في اتفاق يوقف الحرب، لكن بعد تحقيق أهداف التهجير وإعادة بناء المستوطنات في شمال قطاع غزة، تمهيدًا لما عرف بـ”صفقة القرن” المعدلة، التي تهدف إلى تهجير الفلسطينيين المتواجدين في الضفة الغربية نحو الأردن، وتوطينهم.
وفي ظل انحسار الخيارات أمام حركة حماس في قطر، باتت الخيارات محدودة؛ فإما اللجوء إلى الجزائر أو تركيا، وهذان الخياران يتطلبان موافقة أمريكية، أو التوجه إلى إيران، وهو خيار يحمل معه تغيرات جذرية في المنطقة، مما قد يؤدي إلى تغيير كبير في معادلة الصراع وتداعيات غير محسوبة في المنطقة.وهكذا تستمر هذه العلاقة المتشابكة، بين الضغط السياسي والتطلعات الإقليمية -الهادفة لاكتساب تأييد الشارع العربي- في رسم معالم مستقبل غامض للمنطقة، قد يضع الجميع على شفا صراع لا يعلم أحد أين ستنتهي حدوده.
أثبتت التطورات الأخيرة أن الضغوط الأمريكية على قطر لإجبارها على طرد قادة حركة حماس تهدف إلى قطع أي أفق للوساطة والحلول السياسية، إذ كان وجود مكتب حركة حماس في الدوحة يفتح المجال لجهود قد تفضي إلى التهدئة ووقف إطلاق النار وإعمار غزة. لكن هذه الضغوط الأمريكية دفعت قطر لإغلاق الباب في وجه أي محاولات دبلوماسية، مما يعمق من التوترات، ويجعل لغة القوة و”البلطجة الصهيونية” هي السائدة.
في ظل هذا المشهد المعقد، يبرز التهديد الإسرائيلي المستمر لطهران، ما يزيد من احتمالية دخول المنطقة في أتون صراع شامل، سيما مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو الذي سبق له إنهاء الاتفاق النووي مع إيران.
ويبقى السؤال: ما الذي يمكن للدول العربية أن تفعله؟ وهل تملك هذه الدول أوراق ضغط سياسية تلزم الأطراف الكبرى بإعادة النظر في سياساتها؟
من المؤكد أن العمل من أجل مشروع حل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية بات ضرورة ملحة، لكنه يتطلب موقفًا عربيًا موحدًا، بعيدًا عن لغة الخطابة، ليكون هذا الموقف قادرًا على مواجهة الضغوط الدولية بوسائل دبلوماسية وسياسية واقتصادية فعالة.
إن المرحلة الحالية تتطلب رؤية عربية شاملة تعترف بخطورة الوضع الراهن، وتعيد تقييم التحالفات السياسية القديمة في إطار سياسة واقعية تدرك مصالح الشعوب العربية، وإلا فإن المنطقة ستظل ساحة لحروب ومعارك لا تنتهي، من خلال استغلال الشعوب والأراضي العربية وتوظيفها لخدمة الأجندات الصهيونية والأمريكية والغربية على حساب أمن وسلام واستقرار العالم العربي.