ازمة البنزين في إيران أثارت مخاوف من اندلاع الاحتجاجات
زمة البنزين في إيران أثارت مخاوف من اندلاع الاحتجاجات
الدرب – خاص
أعادت أزمة نقص البنزين في إيران إشعال نقاش حاد حول سياسات الطاقة في البلاد، حيث أدت زيادة الاستهلاك وانخفاض الإنتاج إلى إثارة قلق واسع النطاق. مع تفاقم نقص البنزين، خاصة خلال أوقات الذروة في السفر، بدأ المسؤولون يشيرون إلى حلول مثيرة للجدل مثل رفع الأسعار، وهو اقتراح قد يثير رد فعل شعبي عنيف. وتعد هذه القضية حساسة للغاية، حيث تعيد إلى الأذهان الأحداث التي أدت إلى الاحتجاجات القاتلة في نوفمبر 2019.
انتشرت مشاهد نقص البنزين والغضب الشعبي
وفي الأسابيع الأخيرة، غمرت وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو وصور تظهر طوابير طويلة في محطات الوقود، لا سيما في شمال إيران. وعانت هذه المناطق من نقص حاد في البنزين، مما زاد من تفاقم الأزمة مع توافد السياح في فصل الصيف. في بعض المناطق، واجه السائقون طوابير تمتد لعدة كيلومترات في محطات الوقود، بينما تحولت الطرق السريعة إلى ازدحام مروري شديد بسبب نقص الوقود. أثارت هذه التحديات انتقادات من العامة وبعض النواب في البرلمان النظام.
وانتقد النقاد فشل الحكومة في الاستثمار بشكل كافٍ في البنية التحتية لدعم السياحة في المحافظات الشمالية. وقورنت هذه الحالة بالاستثمارات والتخطيط الكبيرين اللذين يُخصصان للفعاليات الدينية مثل مسيرة الأربعين. حتى أن بعض أعضاء البرلمان، مثل جبار كوجكینجاد، اعترفوا بسوء إدارة الحكومة لإمدادات البنزين، حيث عانت بعض المناطق من انقطاع الوقود لمدة يومين. وفي محافظة جيلان، أُغلقت عدة محطات وقود بسبب الأزمة.
بدأ المسؤولون يتبادلون اللوم والتكهنات
رداً على تزايد الغضب الشعبي، ألقى بعض أعضاء الحكومة الحالية باللوم على الحكومة السابقة، مشيرين إلى أن احتياطيات البنزين انخفضت بنسبة 40٪ مقارنة بالعام السابق. كما تكهن البعض بأن نقص الوقود قد يكون جزءاً من استراتيجية لتمهيد الطريق لرفع الأسعار. وقد ألمح مسعود بزشكيان إلى ذلك، قائلاً في مؤتمر صحفي: «لا يمكننا تجاهل الاختلالات فقط لأن البعض سيحتج.»
ويبلغ استهلاك إيران الحالي للبنزين في المتوسط 120 مليون لتر يومياً، في حين أن الإنتاج المحلي لا يتجاوز 102 مليون لتر يومياً. يتم سد الفجوة من خلال الواردات، التي قد تصل إلى 30 مليون لتر يومياً خلال فترات الذروة، مثل عطلة النوروز. وفي أواخر أغسطس، ارتفع الاستهلاك إلى 142 مليون لتر يومياً، وهو ما يفوق بكثير قدرة الإنتاج المحلية.
تكمن الأسباب الحقيقية في كفاءة المركبات
في حين تلقي الحكومة باللوم في كثير من الأحيان على الجمهور بسبب “سوء استخدام” البنزين، يرى الخبراء أن المشكلة الحقيقية تكمن في كفاءة المركبات المحلية الصنع. تستهلك السيارات الإيرانية بين ثمانية واثني عشر لتراً من البنزين لكل 100 كيلومتر، وهو معدل أعلى بكثير من المعايير الدولية، التي تبلغ في المتوسط نحو خمس لترات.
يُوذكر أن أكثر من 21 مليون سيارة خفيفة و12.5 مليون دراجة نارية في الخدمة، وكثير منها قديم، مما يجعل استهلاك الوقود مرتفعاً بشكل مستمر. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 11 مليون دراجة نارية و1.3 مليون سيارة قديمة تستهلك حوالي 46 مليون لتر من البنزين يومياً، مما يساهم في أزمة الوقود وتفاقم مشكلة التلوث الهوائي. وبالنسبة للكثير من الإيرانيين ذوي الدخل المنخفض، تعتبر هذه المركبات القديمة وسيلة النقل الأساسية لهم ومصدر رزقهم في كثير من الأحيان، وبدون دعم حكومي كافٍ، فإن استبدالها بمركبات أكثر كفاءة في استهلاك الوقود ليس خياراً متاحاً.
ويقترح الخبراء أن استبدال هذه المركبات القديمة يمكن أن يوفر ما يصل إلى 27 مليون لتر من البنزين يومياً. ومع ذلك، لن يحل هذا مشكلة كفاءة السيارات المحلية الصنع. وقد تعطلت أو فشلت مبادرات أخرى، مثل تعزيز استخدام الغاز الطبيعي المضغوط (CNG)، التي كان من الممكن أن تخفف بعض الضغط.
أدت فشل الاستثمارات إلى تفاقم الأزمة وزيادة المخاطر المستقبلية
تشكل أزمة البنزين جزءاً من اتجاه أوسع يشمل نقص الموارد في إيران، مثل الكهرباء والغاز. حذر أحمد معروف خاني، رئيس اتحاد مصدري النفط والغاز والمنتجات البتروكيماوية، من أن إيران قد تواجه نقصاً يومياً في البنزين يبلغ 10 ملايين لتر بحلول عام 2025. كما توقع ظهور نقص في وقود الديزل خلال أشهر الشتاء.
ويرى معروف خاني أن الأسباب الرئيسية للأزمة تكمن في ضعف التخطيط لإدارة الاستهلاك ونقص الاستثمار في البنية التحتية للمصافي. علاوة على ذلك، فإن تصدير الشركات البتروكيماوية للمواد المضافة للإنتاج فاقم من تفاقم الأزمة.
وفي مقابلة مع وكالة إيلنا، أعرب معروف خاني عن دعمه لزيادة أسعار البنزين كوسيلة للسيطرة على الاستهلاك، لكنه شدد على ضرورة التخفيف من “الآثار السلبية” من خلال “إجراءات ثقافية واجتماعية.” وقد كرر الرئيس بزشكيان هذه الأفكار، قائلاً إن أي “جراحة اقتصادية” يجب أن تتم بموافقة وإطلاع الجمهور.
تتصاعد المخاوف العامة على خلفية الذكريات المؤلمة لعام 2019
يبدي العديد من الإيرانيين شكوكهم العميقة تجاه أي زيادات مقترحة في الأسعار. ويشيرون إلى أن الحكومة يمكنها معالجة عجز الميزانية من خلال تقليص التمويل الموجه للمجموعات الوكيلة، والمؤسسات الدينية، ووسائل الإعلام الحکومیة، بدلاً من تحميل الشعب أعباء زيادة أسعار الوقود. وتستند هذه المخاوف إلى ذكرى الاحتجاجات التي وقعت في نوفمبر 2019، عندما قامت الحكومة بزيادة أسعار البنزين ثلاثة أضعاف بشكل مفاجئ، مما أدى إلى احتجاجات شعبية واسعة. وقد قوبلت هذه الاحتجاجات بالقمع العنيف من قبل النظام، مما أسفر عن آلاف القتلى والمصابين والمعتقلين.
وفي الوقت الذي تستمر فيه إيران في مواجهة نقص البنزين، تظل السياسة الحكومية، سواء من خلال رفع الأسعار أو تدابير أخرى، نقطة خلاف كبيرة بين الشعب والحكومة. مع تصاعد السخط الشعبي بالفعل، فإن أي خطأ في الحسابات قد يؤدي إلى اندلاع اضطرابات جديدة تذكر بانتفاضة 2019.